نحن الآن في ستينينات القرن الماضي، على ضفاف بحر آرال الشاسع، رابع أكبر مسطح مائي داخلي في العالم، بمساحة تصل إلى 68 ألف كيلومتراً، أي ما يعادل ضعف مساحة بلد كبلجيكا، الصيد منتشر في هذا البحر بشكل كبير، فهو يشكّل المصدر الأساسي لدخل 40 ألف صياداً يعملون بشكل يوميّ فيه، كما يحوي البحر واحدة من البيئات الحيوية الأكثر تنوّعاً، إذ يعيش فيه بشكل حصريّ عشرات الأنواع من الحيوانات والنباتات التي لا تعيش في غيره، لكنّ قراراً حكوميّاً خاطئاً قلب موازين الأمور، وحوّل هذا البحر مترامي الأطراف إلى صحراء قاحلة، فما هي التفاصيل؟
البحث عن الذهب الأبيض في محيط بحر آرال:
يقع بحر آرال بين كلّ من كازاخستان وأوزبكستان، وكلا الدولتين كانتا دولاً منضمّة للاتحاد السوفييتي. قررت الحكومة السوفييتية في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي إقامة مشروع عملاق هدفه تحويل الصحراء المجاورة للبحر إلى أراضي خصبة لزراعة كمّيات مهولة من القطن والفواكه، بغية تصدير القطن إلى دول العالم. اعتمد تنفيذ هذا المشروع على تحويل مجرى النهرين الكبيرين اللذين كانا يغذيان بحر آرال (نهر آمور داريا، ونهر سير داريا)، ونقل مجراهما إلى الصحراء، لكنّ المسؤولين السوفييت لم يكونوا على وعي كافٍ بالأضرار التي سيسببها مشروع كهذا.
جفاف وقحط:
نتيجة الإجراء الذي قام به السوفييت أخذ بحر آرال في الجفاف شيئاً فشيئاً، وانخفض مستواه بمقدار 17 متراً، وأخذ ينحسر بدءاً من مطلع الستينيّات، إذ تحوّلت العديد من المدن “الساحلية” التي كانت تشرف عليه إلى مدن محاطة بالرمال، حتى وصل في عام 2008 إلى 10% من حجمه الأصلي، ومن المقدر أن يجفّ البحر بشكل كامل عام 2050، في حال استمرّ الوضع على ما هو عليه.
كارثة اقتصادية وإنسانية على ضفاف بحر آرال:
خسر آلاف الصيّادين عملهم على مدى السنوات الخمسين الماضية، كما أصبحت المنطقة تعاني بشكل كبير من نقص المياه وانعدام الأمن المائي، إذ تحوّلت إلى صحراء لا حياة فيها ولا ماء، وقد لاحظ العلماء انخفاض معدّل أعمار المقيمين في المدن التي كانت تعتبر سابقاً على ضفاف هذا البحر بالنسبة لباقي المدن المجاورة، إذ سجّلت 66 عاماً بالمقارنة مع عاصمة كازاخستان الاقتصادية آلماتي، والتي تملك معدّل أعمار بحدود 70 عاماً. فسّر العلماء ذلك بزيادة ملوحة المياه المتوفّرة لدى سكّان هذه المناطق بشكل كبير، الأمر الذي حمل أثراً كارثياً على الناحية الصحية لديهم.
دمارٌ بيئيّ شامل:
تعتبر المنظّمات البيئية ما حدث في بحر آرال أحد أكثر الكوراث البيئية التي سبّبها الإنسان سوءاً، فكما أسلفنا، فقد بحر آرال 90% من حجمه، وهو ما أدّى إلى انقراض 20 نوعاً حيوانياً ونباتياً كان يعيش فيه نتيجة ارتفاع الملوحة بشكل جعل من النجاة أمراً صعباً على العديد من الأنواع ، بالإضافة لانهيار الثروة السمكية التي كان يحتويها. أمّا على صعيد المناخ، فقد سبب جفاف البحر تحوّل مناطقه السابقة إلى صحارٍ، الأمر الذي أثّر سلباً بشكل كبير على المناطق المجاورة، والتي باتت تتعرض باستمرار إلى عواصف رملية، كما تغيّر الطروف المناخية فيها إذ أضحت أكثر جفافاً وحرارة مقارنة بالوضع السابق.