ما معنى أن تعلن الدولة إفلاسها؟ تجارب الدول السابقة تجيب.

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن احتمال إعلان عدد من الدول إفلاسها خصوصاً بعد تداعيات أزمة كورونا والحرب في أوكرانيا، وهو أمر في الواقع ليس بالجديد على الأعراف الدولية، فلم يكد العالم ينسى أزمة اليونان في الماضي القريب قبل حوالي العشر سنوات، ومن قبلها الأرجنتين والمكسيك وروسيا والكثير من الدول الأخرى، فماذا يعني إعلان الدولة إفلاسها، وما مدى خطورته، وما هي التداعيات التي تتبع هذا الإعلان؟ في مقالنا اليوم سنجيب على هذه الأسئلة بناءً على تجارب الدول التي عانت من هذه الأزمة القاسية ولكنّها تمكنّت من النجاة منها على الرغم من ذلك، فلنباشر:

الدول لا يمكن أن تفلس فعليّاً:

عبارة “أعلنت الدولة إفلاسها” في الواقع هي عبارة غير دقيقة، فهي تمثّل تعثّر الدولة في سداد دينها السيادي عن الدفعات المجدولة لها، ولا يعني بالمطلق انهيار الاقتصاد في البلد، بالإضافة إلى ذلك، فالحكومة هي من تتعثر في سداد الدين، وليس الدولة ككيان. على الرغم من أنّ عبارة “إفلاس الدولة” قد تبدو حادثة طارئة غير اعتيادية، إلا أنّ الأمر في الواقع يتكرر بشكل كبير لكثير من الدول حول العالم، فعلى سبيل المثال، عانت اليونان من التعثر في دينها لأكثر من نصف عمرها منذ استقلالها عام 1829، وعلى الجانب الآخر، فإسبانيا هي أكثر دولة تعثّرت في سداد دينها تاريخياً، حيث وقعت في هذه المعضلة 15 مرة في تاريخها!

ما الذي يسبب تعثّر الدول في ديونها؟

تتعثّر الدول في سداد ديونها إما بسبب عدم قدرتها أو بسبب رفضها للسداد، تكون التغيرات السياسية هي المحرك الأساسي في حالة السبب الثاني، حيث ترفض السلطات الجديدة دفع الديون المترتبة على سابقتها، أمّا أشيع أسباب التعثّر في سداد الديون فهو السياسات الاقتصادية الفاشلة التي تتخذها الحكومات، وخير مثال على ذلك فشل جامايكا في سداد دينها السيادي البالغ 7.9 مليار دولار عام 2010، والذي تسبب فيه الإفراط في الإنفاق من قبل الحكومة، والتراجع الكبير الذي طرأ على القطاع الاقتصادي الأكبر في البلاد؛ السياحة.

ماذا يحدث بعد تعثّر الدول في سداد الديون:

عادةً، يتمّ إعادة توزيع حصص أصول المدينين بعد التعثر في سداد الديون حتى يحصل أصحاب السندات (الدائنون) على أموالهم، ولكن ذلك محصور في حالة الديون ما بين الأفراد والشركات، أمّا في حال ديون الدول فالموضوع لا يسير على ذلك الحال، فعلى أرض الواقع ليس هنالك ما يجبر الدول –نظرياً على الأقل- على إعادة الأموال التي استدانتها عن طريق منح حصص من أصول الدولة، لكنّ ذلك لا ينطبق على استثمارات الدولة الخارجية، وتعثّر الأرجنتين عن سداد ديونها عام 2012  مثال صريح على ذلك، حيث تمّت مصادرة سفينة تدريب تابعة للبحرية الأرجنتينية كانت موجودة في غانا في ذلك الوقت حتى يتمّ سداد ديون البلاد من خلالها.

في العادة، جلّ ما يستطيع الدائنون فعله حال تعثر الدول في سداد ديونهم هو إعادة التفاوض مع حكومات الدول المستدينة لتأجيل الدفعات الخاصة بهم، أو في بعض الأحوال سداد جزء من الدين فقط دون الجزء الآخر.

عواقب التعثر في سداد الديون:

لا تمرّ حادثة كهذه عادة مرور الكرام، حيث تحمل على الاقتصاد تبعات قاسية، أهمّها فقدان البنوك لودائعها المالية، فمن المعروف أنّ أكثر الدائنين للدول عادة هم البنوك المحليّة فيها، فحينما تعلن الدولة عن تعثّرها في سداد الديون، يسرع المواطنون إلى سحب ودائعهم في البنوك نتيجة لفقدانهم الثقة في نظامهم المصرفي، مما قد يؤدي لانهياره في الحالات الشديدة.

إضافة إلى ذلك، فتعثّر الدول عن ديونها سيؤدي في المستقبل إلى إحجام الدائنين عن منحها قروضاً أو شراء السندات التي تصدرها، أو الاستمرار في منحها القروض ولكنّ بفوائد مالية كبيرة جدّاً تجعل من عملية الاقتراض أمراً شديد الصعوبة عليها.

Exit mobile version