ربما سمعت عن الطاعون وعدد الوفيات التي تسبب فيها خلال العصور المظلمة، إذا سمعت عنه فعلا، فربما تكون قد سمعت عن هذه الجزيرة المسكونة المخيفة المسماة بوفيليا، والتي خصصت لإعدام الأشخاص الذين أصيبوا بالطاعون. للوهلة الأولى، تبدو بوفيليا وكأنها جزيرة خاصة يملكها رجل أعمال ثري، لكن للجزيرة في الواقع تاريخ غريب ومظلم يعود تاريخه إلى زمن بعيد، دعونا نلقي نظرة على السنوات الخمسمائة الماضية لنتعرف على قصة هذه الجزيرة.
موقعها
تقع جزيرة بوفيليا بين البندقية ومنطقة ليدو، وقد تم ذكرها لأول مرة في كتب التاريخ عام 421 عندما فر سكان بادوا وايستي إلى هذه الجزيرة خلال الغزوات البربرية في حوالي القرن التاسع، بعد ذلك بدأ عدد سكانها في النمو، وفي السنوات التالية بدأت تكتسب أهمية في المنطقة، لكن في عام 1379 تعرضت الجزيرة للهجوم من قبل القوات البحرية، مما أدى إلى إفراغ الجزيرة، ومن أجل إبقاء الجزيرة مأهولة بالسكان شيدت حكومة البندقية خمسة حصون مثمنة للدفاع عن مداخل البحيرة ومراقبتها ابتداءً من عام 1645.
بوفيليا حفرة الموتى
نظرًا لأن البندقية كانت واحدة من أهم المدن التجارية في العالم في ذلك الوقت، كانت حركة المرور من وإلى البندقية كثيفة ونشيطة جدا، وكان لذلك جانب سلبي بقدر ما كان له جانب إيجابي، فالأمراض والالتهابات والأوبئة كانت أيضًا أول من وصل إلى هناك.
عندما وصلت أول سفينة إلى البندقية والتي كان على متنها أشخاص ظهرت عليهم أعراض الطاعون، تم إلقاء الضحايا على الفور في بوفيليا، وذلك بأمر من بعض المسؤولين الذين كلفوا بمهام تدبير الجائحة تحت مسمى “سادة الطاعون”، حيث تم تكليف أسياد الطاعون هؤلاء بتعقب الأشخاص الذين يعانون من الأعراض والتخلص من الموتى بسرعة، إذ لا يهم إذا كنت غنيًا أو فقيرًا، عاملاً أو أرستقراطيًا، شابًا أو كبيرًا في السن. إذا ظهرت عليك الأعراض، فسيتم نفيك مباشرة إلى الجزيرة. لذلك عندما قضى الطاعون الأسود على ثلث سكان أوروبا، كانت الجزيرة بأكملها مليئة بالجثث، مع وجود بعض الأحياء الذين يبدو وكأنهم محكوم عليهم بالفناء. حيث كان يتم حفر مقابر جماعية وإلقاء الموتى (وأحيانًا أناس على قيد الحياة) ثم إضرام النيران فيهم وإحراقهم.
ما يقدر بنحو 160،000 شخص لقوا حتفهم في الجزيرة على مر السنين، ويقدر أن 25٪ و50٪ من التربة تتكون من رماد جثث المحترقة والمتفحمة، لذلك يخشى الصيادون المحليون الاقتراب من الجزيرة لأنهم اعتقدوا أنهم يستطيعون سحب عظام أسلافهم في شباك الصيد الخاصة بهم، وتجدر الإشارة إلى أن الجزيرة كانت عبارة عن منطقة حجر صحي حتى عام 1814، وبعد ذلك تم إغلاقها وهجرها، ولكن للأسف لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.
مستشفى للأمراض النفسية
بعد نسيان الجزيرة لأكثر من قرن، تم منح هذه الأخيرة حياة جديدة في عام 1922، حيث تم بناء مستشفى للأمراض النفسية فوق المقابر الجماعية، وأخفوا في ذلك المستشفى الأشخاص المصابين بأمراض عقلية لمدة 46 عامًا، تدريجيا تم تحديث مباني المستشفى وإضافة عدة أجنحة، وأصبح موطنًا دائمًا لمن يرغب في الهروب من المجتمع ومن الناس، ونخص بالذكر هنا المرضى النفسيين أو المجانين. لكن للأسف لم تكن الرعاية النفسية للمرضى حديثة أو متطورة في ذلك الوقت، فقد كان الطبيب المسؤول وطاقمه يجرون جميع أنواع التجارب المروعة على المرضى، في محاولة لتحديد مصدر “جنونهم”، وبعد سنوات من التجارب الفظيعة والتعذيب، انتحر الطبيب بالقفز من برج الساعة، حيث قيل إنه كان يسمع أصوات الموتى وهم يصرخون في وجهه باستمرار. ومع ذلك، فقد تأخر إغلاق المستشفى إلى غاية عام 1968، وبعد 46 عامًا تم إعلان الجزيرة منطقة محظورة.
في يومنا هذا، يفضل معظم الصيادون عدم الاقتراب من الجزيرة أو الإبحار حولها، إذ يعتقدون أن المكان ملعون ويروون بعض القصص والأحداث الغريبة التي لا يمكن تفسيرها والتي لاحظوها هم أنفسهم أو أجدادهم.