العناكب هي فئة من المفصليات التي تشمل أيضًا العقارب والعث والقراد، وهناك أكثر من 45000 نوع معروف من العناكب التي تتواجد في جميع أنحاء العالم، كما تتراوح أحجامها من عنكبوت طحلب ساموا الصغير الذي يبلغ طوله 0.011 بوصة، إلى عنكبوت جالوت الضخم الذي يبلغ طول ساقه قدمًا تقريبًا. لكن هل سبق وأن تساءلت عن كيفية تعامل أسلافنا الأولين مع هذا الحيوان؟ وكيف فسر الناس خلال العصور الوسطى حضور هذا الحيوان دينيا وروحيا؟ هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.
كائن المعجزات الإلهية؟
في أحد الأيام في أوائل القرن الثاني عشر، كان هناك كاهن يدعى نوربرت يحتفل بالقداس في سرداب عندما حدث شيء غير متوقع: سقط عنكبوت كبير من السقف ووقع في الكأس الذي يحتوي على نبيذ القربان المقدس، ولما رأى الكاهن المذعور المخلوق صُدم وظن أنه بين الحياة والموت، لكن ثباته تغلب على نفوره، لذا اختار أن يتعرض للخطر ويبتلع كل ما كان في الكأس، عندما انتهى القداس معتقدًا أنه سيموت، مكث أمام المذبح يصلي ويودع مصيره لله. فجأة بدأ أنفه يدغدغه إلى أن جاءته نوبة عطس مفاجئة فخرج العنكبوت من أنفه. بالنسبة للمؤلف المجهول الذي أرخ لهذه الحادثة، كانت الهدف من القصة اتخاذ العبرة من قوة الإيمان الديني، أي إيمان الكاهن نوربرت بالله الذي سمح له بابتلاع العنكبوت، وكيف كافأ الله إيمانه بالتدخل الإلهي، وطرد المخلوق من جسده بإرادته.
من الغريب أن هذه ليست القصة الوحيدة، حيث قيل إن العديد من الكهنة القديسين واجهوا نفس الموقف واتخذوا نفس الاختيار وتم إنقاذهم أيضًا، على الرغم من اختلاف الطريقة التي يُطرد بها العنكبوت، لكن العنكبوت تظل سليمة وعلى قيد الحياة بعد طرحها بعيدا من الجسم، فيتم قتلها والاحتفاظ بها لاحقًا كآثار، إلى أصبحت هذه الممارسة عبارة عن طقس إعجازي يتم التعامل وفقه كلما لوحظ وجود عنكبوت ما. وتتمثل الخلفية الدينية لهذا الطقس في الايمان المرسخ أنه بعد غمر العنكبوت في هذا السائل المقدس لا يمكن التخلص من الحيوان بعدها، ولكن يجب معاملته باحترام بسبب القربان. وبالتالي، يجب ابتلاعه.
مصدر خوف واشمئزاز؟
إذا كانت قصص مثل قصة نوربرت توضح أحيانًا طبيعة الفكر الديني في العصور الوسطى، فإنها تشير أيضًا إلى أن الخوف من العناكب ليس ظاهرة جديدة، على الرغم من أن للعناكب بعض الارتباطات الإيجابية في العصور الوسطى، حيث تم استخدام شبكاتهم لعلاج الأمراض البسيطة مثل الحمى والجروح، واقترح بعض علماء اللاهوت (معتقدين أن جميع الحيوانات قد خلقها الله لصالح البشرية) أن على المسيحيين التدبر والتفكر في العناكب، والتعلم من الإصرار الذي تتحلى به هذه الكائنات. ومع ذلك، كانت العناكب في الغالب مصدرًا للخوف والاشمئزاز، وكانوا على وجه الخصوص مرتبطين بالخطيئة والشيطان، حيث تعددت النصوص الأدبية في العصور الوسطى التي يُقارن فيها شراك الذباب بالشيطان الذي يربط الآثمين في شبكة من الخطيئة، ويسحبهم إلى الجحيم. ولتفنيد ودحض هذه المعتقدات، قدم الكهنة الذين يبتلعون العنكبوت توضيحًا عن ارتباط القدرة الإلهية بهذا الكائن في التغلب على الخطيئة.