تقنية وعلوم

كلاب الرحمة…أبطال الحرب العالمية الأولى المجهولين

لقد اطلعنا على أحداث الحرب العالمية وحيثياتها من مصادر كثيرة: وثائقيات، دروس المدرسة، كتب تاريخ، أفلام، أشرطة…وغيرها، حيث تعرفنا من خلالها على الكثير من التفاصيل، كالدول المتحاربة والأسلحة المستعملة والمعارك… لكننا لم يسبق لنا أن سمعنا بمسعفين غير بشر، مسعفين لعبوا دورا كبيرا في الحرب العالمية الأولى من خلال إنقاذ آلاف الجنود. لم نسمع بكلاب الرحمة، الأبطال غير المعروفين الذين كانوا سببا في نجاة عدد كبير من المحاربين. فما قصتهم؟

كلاب الرحمة

كانت كلاب الرحمة تجوب الحقول بعد المعارك بحثًا عن الجنود المصابين، وكانت معظم هذه الكلاب مزودة بالإمدادات الطبية على ظهورها؛ كما تم تركيب أقنعة الغاز على وجوهها حتى لا تختنق بالغازات المسيلة للدموع. في حالة عثور أحد الكلاب المسعفة على رجل مصاب بجروح بالغة بحيث لا يستطيع الحركة، كان الكلب يلتقط قطعة من زيه العسكري بأسنانه ويركض بها عائدا إلى المخيم، حتى يخبر الفريق المسعف بمكانه، في بعض الأحيان تعثر كلاب الرحمة على جنود هالكين يلفظون أنفاسهم الاخيرة، وكل ما كانت تفعله الكلاب الوفية وقتذاك هو الجلوس بجانب الجنود أثناء وفاتهم، مشكلة مصدر أنس وراحة لهم، مخففة عنهم اللحظات الموحشة الأخيرة قبل الانسحاب من هذا العالم.

كيف بدأت الجيوش باستخدام كلاب الرحمة؟

طالما استخدم البشر الكلاب في الحروب منذ آلاف السنين كما تصوره الجداريات في مصر القديمة و الروايات التي كتبها الإغريق القدماء . إلا أن هذه الظاهرة اتخذت شكلا جديدا أكثر انسانية سنة 1890، حيث أسس محب الكلاب الألماني والرسام جان بونجارتز “الجمعية الألمانية للكلاب الطبية. Deutschen Verein für Santiätshunde” ، واقترح تدريب الكلاب حتى تساعد في العثور على الجنود الجرحى، وانتقلت الفكرة بعد ذلك إلى بريطانيا بعد خمس سنوات. في عام 1895، التقى رجل يدعى إدوين ريتشاردسون رجلاً آخر يشتري كلابًا إنجليزية لشحنها إلى ألمانيا، ويقول:

لقد لاحظت أجنبيا يشتري كلابا من أحد الرعاة وعلمت أن الرجل ألماني أرسلته حكومته لشراء أعداد كبيرة من كلاب الكولي للجيش الألماني، وقيل لي أن هذه الكلاب ممتازة وتستجيب لشروط العمل المطلوب.

بدأ ريتشاردسون، وهو من محبي الكلاب مثل بونجارتز، في تجربة الفكرة هو الآخر واختبار الكلاب لمعرفة ما إذا كانت تستطيع تنفيذ المهمات المطلوبة، وفي عام 1914، افتتح هو وزوجته مدرسة لتدريب الكلاب الحربية البريطانية وانطلقا في العمل على مشروعهم الجديد.

وبدأوا في تدريب الكلاب على القيام بمهمات صعبة، كما وفر ريتشاردسون الظروف الملائمة لذلك، لدرجة أنه كلف بعض الأشخاص العاطلين عن العمل للاستلقاء في الغابة والتظاهر بكونهم جثث، حتى تستكشفهم الكلاب، حتى أنه قام بتدريب الكلاب لتجاهل الجنود الذين يرتدون زي الخصم أي الزي العسكري الألماني.

كلاب الرحمة في الحرب العالمية الأولى

بينما كان الجنود يتدفقون على الخنادق خلال الحروب، كانت الكلاب كذلك ملازمة لهم دائما، فخلال الأربع سنوات الدامية من الصراع، استخدم الجانبان الالماني والانجليزي أكثر من 50000 كلب من سلالات مختلفة من بينها دوبرمان…

بعد ملاحظة سقوط الضحايا، كانت هذه الكلاب المدربة تنزل إلى الميدان، حاملة على ظهورها مواد طبية تسمح للجندي الجريح بمعالجة نفسه، أما في حالة العثور على شخص مصاب بجروح بالغة، كانت الكلاب تلتقط قطعة من زيه وتجري عائدة إلى المخيم لتنبيه الآخرين.

 كتب أوليفر هايد في كتابه The Work of the Red Cross Dog on the Battlefield: “بالنسبة للجندي الجريح البائس واليأس، فإن مجيء كلب الصليب الأحمر هو بمثابة رسول الأمل، حيث يعلم أن المساعدة الطبية لا يمكن أن تكون بعيدة، وأنها ستأتي قريبا”

ومع ذلك وعلى الرغم من دورهم البطولي، لم تنل كلاب الرحمة ما تستحقه من الشهرة، إذ كانوا يكدحون ويجتهدون بشكل مجهول في الظلال، كما قتل منهم عدد كبير خلال الحرب، فبحلول الوقت الذي انتهى فيه الصراع في عام 1918، كان قد قُتل حوالي 7000 كلب رحمة.

الإرث الدائم لكلاب الرحمة

خلال الحرب العالمية الثانية أيضا، تم استعمال الكلاب كحراس ورسل وكشافة، حيث استخدمت الولايات المتحدة وحدها حوالي 20 ألف كلب في الجيش الأمريكي وخفر السواحل ومشاة البحرية. فخلال حرب الفيتنام على سبيل المثال، ساعدت الكلاب الجنود في إيجاد الأنفاق، وأثناء الحروب في العراق وأفغانستان، استخدمت الكلاب ذات حاسة الشم القوية للعثور على العبوات الناسفة، كما تم استخدام الكلاب أيضًا لمعالجة الجنود نفسيا بعد المعارك لتخطي اضطراب ما بعد الصدمة.

وبهذه الطريقة، يستمر إرث كلاب الرحمة منذ الحرب العالمية الأولى، تلك الكلاب الشجاعة التي قدمت الكثير، فبالنسبة لرجل جريح، كان قدومهم يعني أن المساعدة كانت قادمة، وبالنسبة لشخص يحتضر، فقد كان فروها الناعم وأنفاسها اللطيفة وقلبها النابض يعني أن الرجل لن يموت بمفرده في مكان موحش.

 بعد كل شيء، نحن نعلم الآن لماذا الكلاب هي أفضل صديق للإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى