بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، بدأت تنجلي مشاكل الحرب وأخطارها المباشرة عن الأطراف المنتصرة، وتظهر العداوات والمنافسات الخفية بين القطبين العالميين الجديدين حينها، الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفييتي، ومع حلول عام 1949 تم الإعلان للمرة الأولى عن المفهوم الجديد في ذلك الوقت، مفهوم الحرب الباردة، والتي كانت تنطوي بشكل أساسي في ظاهرها على التنافس في جميع المجال العلمية والاقتصادية والعسكرية بين السوفييت والأمريكيين، لكن كانت تخفي تحت الطاولة حرباً استخباراتية متّقدة بين البلدين وحلفائهما، شهدت هذه الحرب استخدام العديد من الأدوات الاستخباراتية الغريبة المتطورة علمياً بشكل كبير، ولعلّنا شاهدنا العديد من الأفلام التي تحاول تقليد هذه الأدوات كما في سلسلة جيمس بوند الشهيرة، التي تتحدث عن العميل السري لدى المخابرات البريطانية 007، والأدوات الغريبة التي يملكها. لكن على الرغم من مرور أكثر من 30 عاماً على انتهاء الحرب الباردة، يبدو أنّ الحرب الاستخباراتية لم تتوقف حتى الآن، وهذا ما سنراه في مقالنا لليوم.
ضوضاء مزعجة:
في ديسمبر من عام 2016، راجع أحد العاملين في السفارة الأمريكية في هافانا الكوبية المكتب الطبي التابع للسفارة، بشكوى غثيان، ودوار، وآلام في الرأس، ثم بعدها بيومين، تكررت الشكوى ذاتها من قبل عاملين آخرين في السفارة، وبحلول نهاية عام 2018، وصل عدد الذي تعرضوا لذات الأعراض إلى 26 أمريكيا و13 كندياً، حيث تطورت الأعراض وأضيف إليها نقص السمع، الدوار، نزف أنفي، ومشاكل في التركيز. الأمر المشترك بين جميع تلك الحالات أن أصحابها أكّدوا سماع صوت غريب قبل أن يصابوا بالأعراض في منزلهم، أو في غرف الفنادق التي كانوا يقيمون بها، بعضهم وصفه بأنّه صوت حادّ، آخرون وصفوه بأنه كان أشبه بشعاع صوتي تم توجيهه إليهم، بينما أصرّ البعض بأنّه كان صوتا يماثل صوت تدحرج حجر على الأرض.
البحث عن التفسير:
حيّر المرض الخبراء الطبيين، حيث وصفه بعض أطباء مشفى بينسيلفانيا الجامعي –الذين قاموا بالإشراف على الحالة- بأنّ أعراضه تشابه أعراض الارتجاج الدماغي، لكنّهم لم يجدوا أي دليل يثبت كونه ارتجاجاً!
أول أمر سيخطر على البال كون الاستخبارات الكوبية مسؤولة عن الأمر، لكنّ المسؤولين الكوبيين في الواقع قاموا بنفي الأمر بشدة، ويوافقهم في ذلك المحققون الأمريكيون، ذلك لأنهم لا يعرفون السبب الذي أدى لظهور هذه الأعراض. هل كان أحد الأسلحة الغريبة؟ حسب زعم الـ CIA، فهم ليسوا على علم بأي أسلحة قادرة على إحداث هذا الشكل من الضرر. ماذا عن الأمواج فوق الصوتية؟ هي خيار مستبعد لأنّها –وكما يشير اسمها- لا يقدر الإنسان على سماعها، وهو ما يخالف رواية المصابين. خيار آخر هو تضارب أجهزة التنصت الكوبية في حال الخطأ في وضع جهازين منها على مقربة كبيرة من بعضهما (بشكل شبيه بالتشويش الذي يحصل في تقريب أجهزة اللاسلكي من بعضها)، لكنّ ذلك أيضاً مستبعد، لأنّ الحادثة لم تكن مقتصرة على كوبا، ففي عام 2018 راجع عدد من العاملين في القنصلية الأمريكية في غوانزو الصينية المركز الطبي الملحق بالقنصلية بأعراض مشابهة. لحد هذه اللحظة يبقى الأمر سرّاً مجهول السبب يدفع بالعديد من المحقيين الأمريكيين للبحث الدقيق في الأسباب المحتملة، خوفاً من أسوأ الاحتمالات، ألا وهو كون الأمر سلاحاً استخباراتياً جديداً ينقل الحرب الباردة الجديدة إلى مستوى آخر تماماً.