الماموث الصوفي أو الشمالي أو السيبيري (Mammuthus primigenius) هو الصنف الأكثر شهرة بين جميع أصناف حيوان الماموث، حيث عاش قبل ملايين السنين وعاصر الإنسان البدائي، وقد تم العثور فيما بعد على بقايا منه استطاع من خلالها الإنسان المعاصر اكتشاف هذا الحيوان المنقرض والتعرف على خصائصه ودراسته، ومن بين الظروف التي ساهمت بشكل ممتاز في الحفاظ على جثث هذا الصنف هو برودة الجو والأرض المجمدة في سيبيريا. طالما اعتقد العلماء منذ فترة طويلة أن الماموث الصوفي مات منذ حوالي 13000 عام، إلى أن نشرت دراسة جديدة فقلبت الموازين وأكدت أنهم بقوا على قيد الحياة لفترة أطول. فما هي هذه الدراسة؟ وما الحقائق التي توصلت إليها؟
متى انقرض الماموث الصوفي؟
نُشرت الدراسة في مجلة Nature، حيث قام باحثون من جامعة “ماكماستر” وجامعة “ألبرتا” والمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي وحكومة يوكون بتمشيط عينات التربة القديمة بحثًا عن أدلة حول تراجع أعداد الماموث تدريجيا، ووجدوا أن الماموث الصوفي بالإضافة إلى خيول السهوب وخيول العصر الجليدي قد نجوا 8000 سنة إضافية مما كان يعتقد سابقًا، وقد تأثرت الحيوانات الثلاث بارتفاع درجة حرارة المناخ كما أصبح الصيادون البشريون يمثلون تهديدًا دائمًا.
من خلال فحص عينات التربة من العصر البليستوسيني والهولوسيني الانتقالي، منذ ما يقرب من 11000 إلى 14000 عام، وجد العلماء أن أعداد الماموث كانت تتناقص تدريجيا، لكن الحيوان لم ينقرض بعد، حيث تمكنوا من البقاء على قيد الحياة حتى حوالي 5000 عام -بالتزامن مع بناء أهرامات الجيزة. وقد طور الباحثون في جامعة “ماكماستر” طريقة لاستخراج الحمض النووي من عينات التربة، وهو ما توصل إليه عالم الآثار بجامعة “ماك ماستر والمشرف الرئيسي للدراسة “تايلر مورشي”، وأوضح “مورشي” أن “كل الحمض النووي من تلك الحيوانات والنباتات مرتبط ببقعة صغيرة من التراب، حيث تقوم الكائنات الحية بإخراج الخلايا باستمرار طوال حياتها. فالبشر، على سبيل المثال، يطرحون حوالي نصف مليار خلية جلدية كل يوم، إذ يتحلل جزء كبير من هذه المادة الجينية بسرعة، ولكن يتم الحفاظ على جزء صغير منها لآلاف السنين من خلال الارتباط بالمعادن الرسوبية، وبالتالي يمكن استعادتها علميا ودراستها.”
ظروف الدراسة
من اللافت للنظر أن هذه العينة التي شكلت سببا في تطوير وتحيين الدراسات الأركيولوجية المتعلقة بالماموث قد لبثت لمدة طويلة دون أن يلاحظها أحد طوال عقد من الزمن، حيث تم جمعها لأول مرة في إقليم يوكون في عام 2010، لكنها تُركت دون تحليل في ثلاجة جامعية منذ ذلك الحين. إلى أن وجدها “مورشي” في مخزن بارد أثناء البحث عن شيء يلهمه للدراسة والبحث، فدرس “تايلر مورشي” كميات ضئيلة من الحمض النووي في عينات التربة القديمة لتحقيق هذا الاكتشاف. قال “مورشي”: “لقد وجدتها في المجمدات بينما كنت أبحث عن مشروع جديد أثناء دراستي لنيل درجة الدكتوراه، إن إحدى مسؤولياتي في مركز الحمض النووي القديم هي صيانة المجمد، لذلك كان لدي فكرة جيدة عن الأشياء الرائعة التي قد تكون هناك في انتظار شخص ما للدراسة”.
من خلال فحص عينة التربة، تمكن هو وفريقه من رسم صورة للنظام البيئي الذي يعود تاريخه إلى 30 ألف عام. وأوضح “مورشي”: “فقط من خلال جمع بقع صغيرة من الأوساخ والرواسب، يمكننا إعادة بناء النظام البيئي بأكمله مع مجموعة متنوعة من الحيوانات التي كانت موجودة في المنطقة”، وأضاف أن التربة الصقيعية تساعد في الحفاظ على الحمض النووي على مدى آلاف السنين من خلال إبقائها باردة وحمايتها من عناصر مثل الماء وأشعة الشمس. وقال مستطردا: “إن العينات تظل محبوسة في مكانها حتى يأتي شخص ما ويكون قادرًا على فك ألغازها واكتشافها”، وأضاف أن اكتشافه يوضح الإمكانات الهائلة التي تمتلكها العينة المحاصرة بالتربة الصقيعية، واستكمل قائلا: “الآن بعد أن أصبح لدينا العديد من التقنيات المتطورة، يمكن أن نتوصل إلى معلومات وحقائق علمية لافتة للاهتمام عن تاريخ الحياة المخزنة في التربة الصقيعية، فكمية البيانات الجينية في التربة الصقيعية هائلة جدًا وتتيح حقًا اكتشاف الأنظمة البيئية القديمة وتمكننا من إعادة بناء عدد من نظريات التطور المتعلقة بالماضي السحيق”.