منوعات

تجربة سجن ستانفورد والجانب الوحشي للإنسان

حينما تحول السلطة الإنسان إلى وحش سادي !

في أكتوبر 2004، كان الرقيب في الجيش الأمريكي “إيفان تشيب فريدريك” يمر ببعض الظروف الصعبة، حيث كان أحد المتهمين في فضيحة التعذيب سيئة السمعة التي وقعت في مارس من ذلك العام، وتحديدا في سجن أبو غريب العراقي، إذ نشرت محكمته العسكرية تفاصيل مقلقة تتعلق بإساءة معاملة السجناء وحرمانهم من النوم وإذلالهم جنسيا، وكان أحد الشهود الذين دعاهم فريدريك للدفاع عنه هو عالم النفس في جامعة ستانفورد “فيليب زيمباردو”، ويعتبر أحد الأسباب التي جعلت “فريدريك”  يحصل على ثماني سنوات فقط على الرغم من جرائمه، حيث جادل بأن تصرفات فريدريك لم تكن نابعة من شخصيته وإرادته، بل كانت بدلاً من ذلك، رد فعل على البيئة التي سمح كبار المسؤولين بتطويرها في سجن أبو غريب. فما هو مضمون هذه التجربة المظلمة التي قام بها الرقيب “زيمباردو” والتي جعلت الرقيب يحظى بظروف التخفيف؟ وكيف بدأت التجربة وكيف انتهت؟ تابع معنا القراءة لتتعرف على التفاصيل.

مكنون التجربة

كان الدكتور “زيمباردو” مهتما بمعرفة ما إذا كانت الوحشية المبلغ عنها بين الحراس في السجون الأمريكية ناتجة عن التصرفات السادية للحراس أم كانت مرتبطة أكثر ببيئة السجن، وامتدت التجربة لمدة ستة أيام، بين 14 و20 أغسطس 1971، حيث جمع عينة تتشكل من عشرين شاب تم تعيينهم عشوائيًا حيث سيتقلد بعضهم دور سجين وبعضهم الآخر دور الحارس، تحت مراقبة “زيمباردو”، تحولت تجربة سجن ستانفورد إلى صراع بين السجناء المعذبين والحراس المتلاعبين والساديين الذين استمتعوا بتعذيبهم، وتمت كتابة النتائج ونشرها على نطاق واسع، مما جعل “زيمباردو” مشهورًا طوال حياته المهنية، نظرا لكشفه عن حقيقة نفسية مزعجة للغاية، والتي تتعلق بكون أن تحول الناس إلى وحوش يتطلب في بعض الأحيان فترة قصيرة، حتى يكشفوا عن جانبهم الحيواني غير الرحيم أبدا.

كيف بدأت تجربة سجن ستانفورد

قبل عقد من تجربة سجن ستانفورد، في عام 1961، أجرى عالم النفس “ستانلي ميلجرام” في جامعة ييل تجربة لاختبار مدى استعداد بعض الأشخاص لصعق شخص غريب بصدمات كهربائية حينما يسمح لهم بذلك، حيث توصلت التجربة إلى أنه من السهل بشكل مزعج إقناع بعض الشباب بصدم شخص آخر بالكهرباء حتى الموت دون تردد. لذلك فتحت هذه التجربة أفقا اطلع له “زيمباردو” الذي قرر استكمال البحث العلمي حول نفس النظرية، باعتبار أن هذا الأخير لم يكن حاضرًا في تجربة ميلجرام، لأنه كان طالبًا في علم النفس في جامعة ييل حتى عام 1960، وبحلول عام 1971، كان مستعدًا لاستكمال ما بدأه “ميلجرام”، وذلك عندما كلفه مكتب الأبحاث البحرية الأمريكي بدراسة سيكولوجية للحبس والسلطة كما هي بين الحراس ونزلائهم، فقبل “زيمباردو” المنحة وبدأ العمل في تجربة سجن ستانفورد على الفور.

كان الموقع المختار للتجربة في الطابق السفلي من “جوردان هول”، في حرم ستانفورد، هناك أقام “زيمباردو” أربع “زنزانات سجن” باستخدام حواجز داخلية، بالإضافة إلى “مكتب حارس” ومناطق مشتركة مختلفة للترفيه الخاصة بالحراس. وقام بتجنيد الأشخاص الخاضعين للاختبار من خلال وضع إعلان في صحيفة ستانفورد ديلي، سأل فيه عن “الطلاب الذكور” الذين يرغبون في “المشاركة في دراسة نفسية عن الحياة في السجن” ووعدهم بتعويض قدره 15 دولارًا في اليوم، وعندما تقدم المشاركون في التجربة، قام “زيمباردو” بفحصهم بعناية وتقييمهم، حيث تم رفض مشاركة أي شخص لديه سجل جنائي، وكذلك المتقدمين الذين لديهم تاريخ من الانحرافات النفسية والمشاكل السلوكية.

بعدها تم تعيين الأشخاص بشكل عشوائي إما لمجموعة السجناء أو مجموعة الحراس، في الليلة التي سبقت التجربة، عقد “زيمباردو” اجتماعًا توجيهيًا لحراسه الـ 12، حيث أعطاهم تعليمات صارمة فيما يتعلق بواجباتهم والتزاماتهم، ومنحهم النظارات الشمسية، والهراوات الخشبية كرمز للسلطة، كما طُلب منهم جميعًا عدم ضرب السجناء أو الإساءة إليهم جسديًا، على الرغم من إخبارهم بأن لديهم سلطة تقديرية واسعة في كيفية معاملتهم للسجناء الـ 12 الذين كانوا تحت مراقبتهم.

تمرد وفوضى

بحلول الليلة الأولى، كان الحراس قد قرروا معاقبة السجناء الأقل امتثالًا عن طريق نزع مراتبهم، وإجبارهم على النوم على الأرضية الباردة، والتسبب في اضطراب نوم النزلاء من خلال إحداث ضوضاء في منطقتهم المشتركة المجاورة للزنازين، وبحلول ظهر اليوم الثاني، بدأ السجين رقم 8612 بإظهار علامات الانهيار من خلال الصراخ والغضب، وكان على “زيمباردو” نفسه أن يأتي للسيطرة على الوضع، حيث رفض السجين أن يهدئ لذلك تم اتخاذ قرار بإطلاق سراحه من الدراسة لمصلحته.

أثناء التعامل مع السجين رقم 8612، كان السجناء الـ 11 الآخرون يحدثون ضجة بسبب المعاملة التعسفية والقاسية من قبل الحراس، والتي قد دفعت النزلاء بالفعل إلى رفض إطاعة الأوامر أو مغادرة زنازينهم. بحلول ذلك المساء، كانت الأمور سيئة لدرجة أن بعض الحراس الذين كانوا أحرارًا في العودة إلى منازلهم بعد مناوبتهم، تطوعوا للبقاء ساعات إضافية من أجل قمع التمرد، وبعد أن انصرف الطاقم الطبي الذي كان يراقب التجربة إلى منازلهم، قام الحراس الذين تركوا أثناء الخدمة بضرب السجناء بقارورات مطفأة الحريق ونقلهم إلى الزنازين الأخرى لزيادة الازدحام، حيث أن الزنزانة الفارغة كانت مخصصة للسجناء “الذين أحسنوا التصرف” والذين لم يشاركوا في الانتفاضة. من ناحية أخرى، تم حبس زعماء السجناء المحرضين على الانتفاض في الحبس الانفرادي لساعات، ورُفض السماح للسجناء في الزنازين العادية باستخدام دورة المياه وبدلاً من ذلك أُعطوا دلاء لقضاء حاجتهم فيها، ثم تُركت الدلاء بدون تفريغ في الزنزانة طوال الليل. وفي اليوم التالي، أجبر الحراس السجناء على الوقوف في أوضاع مجهدة لساعات دون ارتداء ملابسهم.

التجربة أخطر مما كان يتصور

بحلول اليوم الثالث من تجربة سجن ستانفورد، كانت الأمور تتدهور بسرعة، وفقًا “لزيمباردو”، فإن ما يقرب من ثلث الحراس طوروا تلقائيًا علامات السادية الحقيقية، وابتكروا باستمرار أشكالًا جديدة من العقاب وحثوا الحراس الآخرين على فرض هذه العقوبات على السجناء العاجزين.مما دفع بالدكتور “زيمباردو” إلى إنهاء التجربة في اليوم السادس مما أثار استياء حراسه، الذين أعجبوا واستحسنوا السلطة التي كانوا يسيئون استخدامها طوال الأسبوع.

الجانب المظلم للانسان

أصبحت تجربة سجن ستانفورد تجربة كلاسيكية في علم النفس البشري وديناميكيات القوة، وربما كانت أكثر النتائج المذهلة هي أن الأشخاص الذين شاركوا في الدراسة استوعبوا أدوارهم على الفور تقريبًا بحيث يبدو أنهم نسوا أنهم عاشوا حتى خارج السجن. تصرف الحراس بوحشية استثنائية، كما لو أنهم لن يتلقوا أبدًا الرد على أفعالهم، بينما تحمل السجناء انتهاكات مروعة لحقوقهم الإنسانية. ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن العديد من الباحثين وطلاب الدراسات العليا قد حضروا لتجربة سجن ستانفورد، وراقبوا ظروف السجن المزرية ومعاملات الحراس الوحشية، ولم يحركوا ساكنا.

بعد أسبوعين فقط من انتهاء تجربة سجن ستانفورد، انتفض السجناء في سجني سان كوينتين وأتيكا السيئ السمعة في ثورات عنيفة كانت مشابهة بشكل لافت للنظر لما حدث في اليوم الثاني من التجربة في ستانفورد، فتم استدعاء “زيمباردو” للإدلاء بشهادته أمام اللجنة القضائية بمجلس النواب حول ظروف السجن وتأثيرها على السلوك البشري. ولطالما كان ادعاء “زيمباردو” أن الظروف الخارجية وليس شخصية الفرد، هي التي تحدد كيف يتفاعل الناس تحت الضغط، ونتيجة لأبحاث “زيمباردو” تم اتخاذ القرار في الولايات المتحدة بفصل الأحداث عن المذنبين البالغين، فضلاً عن فرض ضوابط وحماية أكثر لنزلاء السجون. لكن تجربة سجن ستانفورد، مثل تجربة ميلجرام السابقة، كان لها آثار تتجاوز إدارة السجون. في كلتا التجربتين، تم حث كائنات بشرية سليمة بقليل من التشجيع على ارتكاب جرائم مروعة ضد أفراد آخرين في مجموعتهم، وتم التوصل إلى أن ردود الفعل يمكن أن تكون مشروطة بالبيئة المحلية عند اتخاذ القرارات، وان الانسان يمكن ان يتحول إلى وحش حقيقي بسرعة وبقليل من السلطة التي تتاح له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى