كتب التاريخ مليئة بالأحداث التي عجز العلماء عن تفسيرها، على الرغم من جهودهم المضنية، إلا أنّ النتيجة لا تأتي في صالحهم في بعض الأحيان. في مقالنا اليوم سنتحدث عن واحدة من أغرب الحوادث البحرية تاريخياً، ألا وهي حادثة سفينة ماري سليست الشهيرة، أو كما تعرف بالسفينة الشبح. أبحرت السفينة البريطانية-الأمريكية ماري سيليست في شهر نوفمبر من عام 1872 من ميناء نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، متّجهة إلى ميناء جنوى الإيطالي، كان طاقم السفينة مؤلّفاً من الكابتن بينجامن إس. بريجز، وزجته وطفلته ابنة العامين، بالإضافة إلى ثمانية أفراد من البحارة، إلى هنا كانت الأمور تسير على خير ما يرام، لكنّ ما حصل بعدها كان المفاجأة.
“شبح” السفينة:
بعد انطلاقة السفينة من ميناء نيويورك بأقل من شهر، لمحت سفينة بريطانية تدعى دي جراتيا السفينة ماري سيليست ذات الـ 282 طنّاً تطفو في وسط المحيط الأطلسي، قبالة جزر الآزور البرتغالية، حيث لاحظت السفينة دي جراتيا عدم وجود استجابة من قبطان السفينة ماري سيليست مع كون أشرعتها مفتوحة إلى الحدّ الأقصى، ما دفعها للاقتراب منها للتحقق من حالتها، وحين اقتربت منها رأت ما لم يكن في الحسبان، فالسفينة كانت في حالة مثالية، خالية من أي عطب أو عيب، والبضائع التي كانت تحملها كانت كاملة دون أي نقصان، كما كانت تحوي على مؤن طعام وشراب تكفي طاقمها لستة أشهر متواصلة، لكنّ السفينة كانت خاوية على عروشها دون أي راكب على متنها، كما كان ينقصها أحد قوارب النجاة التي كانت تحملها.
ما الذي حدث؟
تعددت النظريات التي تحاول تفسير الأسباب التي دفعت الكابتن بريجز وطاقمه للتخلي عن سفينة ممتازة خالية من العيوب، خصّيصاً أنّ الكابتن بريجز لم يسجّل أي أحداث غير اعتيادية قبل اختفاء الطاقم في سجل الأنشطة الموجود في السفينة، لكنّ آخر تاريخ سجّل فيه أحداثاً كان قبل تاريخ العثور على السفينة بـ 9 أيام، وكان يشير إلى موقع يبعد عن الموقع الذي عثرت عليها فيه السفينة دي جراتيا بحوالي 500 ميل بحري.
تفاوتت الآراء، حيث توقّع البعض حدوث تمرّد للبحارة على الكابتن بريجز، بينما راح آخرون إلى الاعتقاد بأن ما حدث كان نتيجة لهجوم قراصنة –وإن كان الاحتمالان السابقان مستغربين، فلماذا سيترك طاقم متمرّد أو مجموعة من القراصنة حمولة السفينة دون سرقتها-، إحدى أغرب النظريات كانت هجوم وحش بحري أو حبّار عملاق على السفينة!
في عام 1884 قام السير آرثر كونان دويل (الكاتب الإسكوتلندي المشهور صاحب سلسلة روايات شيرلوك هولمز) بنشر رواية قصيرة تتحدث عن السفينة، حيث كان سبب تحول هذه السفينة إلى سفينة أشباح حسب قوله هو الهجوم عليها من قبل مجموعة من العبيد السابقين الساعين للانتقام.
أجري تحقيق جديد عن السفينة عام 2007 في الفيلم الوثائقي “القصة الحقيقية لماري سليست” لكنّه لم يستطع التوصّل إلى جواب نهائي لهذه المعضلة، لكنّ الخيارات الأكثر ترجيحاً كانت أعطالاً في جهاز الملاحة (الكرونومتر)، الأمواج العاتية، أو انفجاراً على سطح السفينة سببته الأبخرة الصادرة عن حمولة السفينة، التي كانت عبارة عن 1700 برميل من الكحول الصرف، الأمر الذي أخاف الكابتن بريجز وطاقمه ودفعهم للهروب من السفينة.