أعلن المنظر السياسي “فرانسيس فوكوياما” أن نهاية الحرب الباردة كانت بمثابة “نهاية التاريخ” وانتصار الديمقراطية الغربية الليبرالية الرأسمالية على الأيديولوجيات المتنافسة. وكان من المعتقد أن الإنسانية في القرن الحادي والعشرين ستكون مجتمعا معولما يقوم على السلام والازدهار الجماعي. في حين تم تفنيد أطروحة “فوكوياما” بشدة من قبل هجمات 11 سبتمبر 2001 وما تلاها من “الحرب على الإرهاب” الأمريكية، حيث أصبحت الحرب المفتوحة بين جيوش الدول القومية، بل في الواقع أصبحت تتزايد. وعلى الرغم من أن القرن الحادي والعشرين شهد انخفاضًا كبيرًا في معدل وفيات المعارك عند مقارنته بفترات زمنية مماثلة في القرن الماضي، إلا أن هذه الأرقام تمثل عشرات الآلاف من الأرواح المفقودة كل عام. فما هي الحروب الأخطر التي عاشتها البشرية في القرن الواحد والعشرين؟ تابع القراءة لتكتشفها!
حرب الكونغو الثانية (1998-2003)
كانت الحرب الأكثر دموية في القرن الحادي والعشرين، هي حرب الإبادة الجماعية في رواندا، والتي أعقبت إسقاط وموت الرئيس الزائيري، حيث شكل الصراع العرقي بين شعوب “الهوتو” و”التوتسي” من العوامل المساهمة المباشرة في حرب الكونغو الثانية (يُطلق عليها أيضًا الحرب الكبرى في إفريقيا أو الحرب العالمية الأولى في إفريقيا بسبب فتكها وبشاعتها). في مايو 1997، أطاح زعيم المتمردين “لوران كابيلا موبوتو” وأعاد تسمية زائير بجمهورية الكونغو الديمقراطية، لكنه سرعان ما وجد نفسه متورطًا في حرب أهلية مع بعض القوات التي رفعته إلى السلطة. فأصبح الثلث الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية ساحة معركة دامية ومتنازع عليها مثل الجبهة الغربية في الحرب العالمية الأولى. وأثناء ذلك تم الإبلاغ عن عمليات اغتصاب جماعي في مناطق النزاع، وجُرِّدت أقسام كبيرة من جمهورية الكونغو الديمقراطية من الموارد حيث أفسح القتال المنظم بين الجيوش المحترفة المجال لعمليات قطع الطرق والنهب. فقُتل ما يقدر بثلاثة ملايين شخص -معظمهم من المدنيين -في القتال أو ماتوا بسبب المرض أو سوء التغذية نتيجة للصراع.
الحرب الأهلية السورية
مع اجتياح الربيع العربي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أطاحت الانتفاضات الشعبية بالأنظمة الاستبدادية في تونس وليبيا ومصر واليمن. في سوريا، رد بشار الأسد على الاحتجاجات بتصعيد العنف ضد شعبه، فأصبحت الانتفاضة حربًا أهلية أدت إلى انتشار العنف وشكلت أرضًا خصبة للجماعات المسلحة مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). حيث سيطرت الجماعات المتمردة على مساحات شاسعة من الأراضي، وتم تقليص المنطقة الخاضعة لسيطرة الحكومة إلى قطاع صغير من الأرض في غرب سوريا. لجأ الأسد إلى تدابير يائسة ووحشية بشكل متزايد للحفاظ على السلطة، وإلقاء “البراميل المتفجرة” الخام على سكان المدن واستخدام الأسلحة الكيماوية على الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون. مع تولي القوى الإقليمية والدول الغربية دورًا أكبر في الصراع، بدا أنه لا مفر من إجبار الأسد على التنحي عن السلطة. تقدمت الميليشيات الكردية من منطقة الحكم الذاتي الكردية في شمال العراق، وشنت الولايات المتحدة ضربات جوية ضد قوات داعش في كل من سوريا والعراق. في عام 2015، بدأت روسيا، الداعمة منذ فترة طويلة لنظام الأسد، حملة قصف لدعم القوات الحكومية السورية التي قلبت مجرى الحرب. فشلت اتفاقيات وقف إطلاق النار في وقف العنف، وبحلول عام 2016 قُدر أن واحدًا من كل 10 سوريين قُتل أو جُرح بسبب القتال. فر أربعة ملايين شخص من البلاد، بينما نزح ملايين آخرون داخليًا. نتج عن الحرب ما لا يقل عن 470 ألف حالة وفاة بشكل مباشر أو غير مباشر، وشهد متوسط العمر المتوقع عند الولادة انخفاضًا صادمًا من أكثر من 70 عامًا (قبل الصراع) إلى 55 عامًا فقط في عام 2015.
نزاع دارفور
في أوائل عام 2003، حملت الجماعات المتمردة السلاح ضد نظام الرئيس السوداني الذي يتخذ من الخرطوم مقراً له: وهو عمر البشير، وقد أدى ذلك إلى إشعال فتيل توترات طويلة الأمد في إقليم دارفور بغرب السودان. اندلع هذا الصراع فيما وصفته الحكومة الأمريكية لاحقًا بأنه أول إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين. بعد أن حققت الجماعات المتمردة سلسلة من الانتصارات البارزة ضد الجيش السوداني، قامت الحكومة السودانية بتجهيز ودعم الميليشيات العربية التي أصبحت تعرف باسم الجنجويد. فشن الجنجويد حملة مستهدفة من الإرهاب والتطهير العرقي ضد السكان المدنيين في دارفور، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 300 ألف شخص وتشريد ما يقرب من ثلاثة ملايين. لم تكن قوة حفظ السلام المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي قادرة حتى عام 2008 على استعادة ما يشبه النظام في المنطقة. وفي 4 مارس / آذار 2009، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية (ICC) مذكرة توقيف بحق البشير -وهي المرة الأولى التي سعت فيها المحكمة الجنائية الدولية إلى توقيف رئيس دولة -بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. تم تعليق هذا التحقيق في ديسمبر 2014 بسبب عدم تعاون مجلس الأمن الدولي.