منوعات

الرقص حتى الموت…القصة الغامضة وراء حادثة هوس الرقص

راقصي ستراسبورغ الذين سقطوا تباعا نحو هلاكهم لأسباب مجهولة

في عام 1518، بدأ العديد من الناس بالرقص في شوارع مدينة ستراسبورغ (التي تقع الآن في فرنسا)، إذ لم يكن هذا استعراضًا بل كان الأمر أشبه بتعاقد إجباري دونما إرادتهم، وفي غضون أسابيع، كانت حشود من السكان لاتزال تدور في أنحاء المدينة، واستمرت الرقصة، وسرعان ما بدأ الراقصون يسقطون ميتين. وقدرت إحدى الروايات أن ما يصل إلى 15 شخصًا ماتوا يوميًا خلال ذروة الرقص وفقًا لمقال نُشر في The Lancet. وعلى الرغم من أن هذه القصة تبدو سخيفة اليوم، إلا أن الشهود على هذه الأحداث أكدوا بشدة هذه الرقصة الخطيرة. خصوصا مع شيوع العديد من ظواهر “الهوس الراقص” و “الأوبئة الراقصة” في أوروبا القارية طوال فترة العصور الوسطى، فما الحقيقة وراء هذه الظاهرة الغريبة؟ وما تفاصيل هذه القصة المجنونة؟

بداية لعنة الرقص

يقال إن الاضطرابات في ستراسبورغ بدأت في يوليوز 1518، عندما اندفعت امرأة في الشوارع ولبثت لعدة أيام في درجات حرارة الصيف الشديدة هناك، تقول “لينيث ميلر رينبرغ”، مؤرخة جامعة “أندرسون”، إنها رقصت ورقصت دون توقف، شيئا فشيئا عمت اللعنة على الجميع وأخذت في الانتشار والتوسع، وفي غضون أسبوع انضم لها حوالي30 فردًا وبدؤوا في الرقص في أرجاء المدينة، وبعد شهر تقريبا تم القبض على ما يقارب 400 شخص الذين بدوا كأنهم مصابين بعدوى لا يمكن السيطرة عليها.

يقول رينبرغ، الذي حلل هذه الظروف الغريبة وسياقها الثقافي في مقالة بحثية عن الرقص نُشرت في عام 2017: “إنها لظاهرة غريبة وصادمة جدًا حيث دفعت الفوضى في الشوارع المسؤولين الحكوميين على الفور إلى استشارة الأطباء لمعرفة أسباب العدوى وعلاجها”. الذين حاولوا من خلال النظريات الطبية إلى التوصل إلى نتيجة منطقية، أثناء ذلك ظهرت مجموعة من النظريات الشائعة التي تفسر الظاهرة، كتلك التي تقول أن الراقصين كانوا مجبرين على تنشيط دورتهم الدموية بأمر من الأطباء للتغلب على مشكلة الدم الفاسد، لذلك استمروا في الرقص والحركة حتى يتغلبوا على المشكلة التي كانوا يواجهونها، وتم تعيين موسيقيين لمرافقتهم ومساعدتهم، اعتقادا منهم أن هذا من شأنه أن يساعد في حرق الدم الفاسد، لكن هذا الأمر استمر في الانتشار حتى انهاروا في النهاية من التعب أو ماتوا.

أيقن مسؤولو المدينة آنذاك أن التدخل الإلهي المباشر فقط هو الذي يمكن أن يتسبب في مثل هذه الظاهرة الخطيرة، حيث كانوا يعتقدون أن القديس “فيتوس”، وهو قديس مسيحي مرتبط باللعنات الراقصة، هو المسؤول عن هذه المشكلة. وفي النهاية، منعوا جميع الرقصات العامة، وجمعوا الضحايا، ونقلوهم إلى أقرب ضريح حيث صلوا وأدووا عدة طقوس دينية غامضة، إلى أن هدأت الأمور أخيرا وتوقفت الرقصة القاتلة في شهر سبتمبر.

وفي هذا الصدد يقول المؤرخ الطبي “جون والر” أن أولئك الذين شهدوا الحدث تقبلوا على نطاق واسع أن العوامل الخارقة للطبيعة، مثل القديسين والملائكة والشياطين، يمكن أن تسبب لعنات الرقص، موقنين أن القديس فيتوس هو المسؤول عن إصدار هذا النوع من اللعنة.”

سبب اللعنة

على الرغم من أن عددًا لا يحصى من الأفراد يؤمنون بالأرواح واللعنات، إلا أن بعض العلماء عبروا عن امتعاضهم من هذه التفسيرات غير المنطقية محاولين إيجاد تفسيرات حقيقية منطقية وعقلية على حد تعبيرهم، وقد اقترح بعض العلماء أن سكان ستراسبورغ أصيبوا بالإرغوت – وهي حالة يمكن أن تسبب الهلوسة والتشنجات والرعشة والتشنجات والألم الشديد – من الفطريات في طعامهم. مضيفين أنه من المحتمل أن تكون الفطريات التي تسبب الإرغوت متورطة في العديد من حالات الهستيريا التاريخية الأخرى، غير أن هذه النظرية لم يتم اثباتها أو الاعتراف بمصداقيتها العلمية.

من جهة أخرى هناك فرضية أكثر شيوعًا وهي أن سكان ستراسبورغ عانوا من مرض نفسي جماعي، وهي حالة تنطوي على سلوك غريب ينتشر بين مجموعة سكانية معينة استجابة للتوتر، “عندما يكون لديك مستويات عالية من اليأس والخوف، يصبح الطاعون الراقص ممكنًا”، كما يقول “والر”، الذي أكد هذه النظرية. خصوصا وأنه في عام 1518، عانى سكان ستراسبورغ من بعض الضغوط الخطيرة، حيث تسببت حالات فشل المحاصيل المتتالية والمجاعات والفيضانات وانفجارات الطاعون الدبلي والزهري في المرض والمجاعة، مما شكل لهم صدمة عنيفة.

يمكن القول أن السياق والسبب وراء هذه النوبات الراقصة لا يزالان يحيران العلماء إلى يومنا هذا، فقصة ستراسبورغ الغريبة هذه لا تزال دون تفسير دقيق، على الرغم من كون هذه الظاهرة قد شكلت التعبير الأكثر تطرفاً عن كيفية تصرف البشر في ظل ضائقة شديدة تعرضوا لها إذا افترضنا صحة النظرية السابقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى