على مدار ستة عشر عامًا من حياته المهنية كممرض، كان “تشارلز إدموند كولين” بمثابة عميل للموت، حيث كان يسمم مرضاه بالحقن السامة، فقد عمل في تسعة مستشفيات في المجموع، واضطر إلى الاستقالة أو الفصل من خمسة مستشفيات على الأقل في نيوجيرسي وبنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية. فما قصة هذا القاتل المتسلسل الذي يشتبه في قتله ل400 مريض؟
حياته
وُلد “كولين” في ويست أورانج بولاية نيوجيرسي في 22 فبراير 1960، وكان الأصغر بين ثمانية أطفال، وواجه طفولة صعبة للغاية، كما حاول الانتحار لأول مرة في سن التاسعة، حيث شرب مزيجًا من المواد الكيميائية المستخلصة من المواد المنزلية، وقد كانت تلك المحاولة مجرد بداية لمحاولات انتحار متعددة على مدار حياته. يذكر أن والده توفي عندما كان رضيعًا، وتوفيت والدته عندما كان يبلغ من العمر 17 عامًا، وبعد وفاة والدته المفاجئة، ترك تشارلز كولين المدرسة الثانوية والتحق بالبحرية في عام 1978، وخدم كضابط مبتدئ من الدرجة الثالثة في “يو إس إس وودرو ويلسون”، وهي عبارة عن غواصة بحرية. على الرغم من الامتيازات التي قدمتها المؤسسة، غير أن عدم الاستقرار النفسي لكولين كان لا يزال واضحًا، حيث أدت المشكلات المتكررة التي كان يفتعلها إلى نقله إلى سفينة إمداد، لأنه كان يقوم بعدة محاولات انتحار أخرى، في نهاية المطاف تلقى كولين تسريحًا طبيًا من البحرية في عام 1984، فانتقل لإكمال تعليمه التمريضي في مدرسة التمريض على سفوح الجبال. وحصل على منصب عمل في إحدى المراكز الطبية في ليفينجستون بنيو جيرسي، وفي عام 1987، تزوج من امرأة تدعى “أدريان توب”، وأنجبا طفلة، فتدريجيا بدأ “كوليت” يستعاد عافيته واستقراره النفسي.
بداية مشواره الإجرامي
بعد عام واحد فقط من إكمال تدريبه في التمريض، ارتكب تشارلز أول جريمة قتل له، حيث أعطى جرعة زائدة مميتة من الدواء لإحدى مرضاه، وواصل عمليات القتل ليتسبب في مقتل 11 مريضًا كذلك أثناء عمله في وحدة الحروق، وأظهرت التحقيقات والكشوفات الطبية المتعلقة بضحاياه أن القاسم المشترك كان هو الارتفاع غير الطبيعي في مستويات الأنسولين في دمائهم، إلى جانب إيجادهم لبعض الأكياس الوريدية الملوثة بالأنسولين.
كانت وظيفة تشارلز التالية في مستشفى وارين في “فيليبسبرج”، وذلك في أوائل عام 1992، حيث لم يتوقف واستمر في إزهاق أرواح المرضى، حيث فتك بثلاث نساء مسنات، من خلال تقديم جرعات قاتلة من دواء القلب الديجوكسين، وهو دواء يستخدم لعلاج أعراض قصور القلب الاحتقاني. لكن في عام 1993، تقدمت زوجته بأوراق الطلاق بسبب “القسوة الشديدة” التي كانت تتلقاها من طرف تشارلز، وذلك بعد تقديم شكايتين ضد العنف المنزلي، والتي عبرت فيها عن حنقها من التصرفات والأفعال الغريبة وغير المحتملة التي كان يقوم بها زوجها من قبيل محاولة إلحاق الضرر بالناس عبر تسميم مشروباتهم وحشو الحيوانات الأليفة في علب القمامة وأكياس البولينج، لدرجة ابلاغ بعض الجيران للشرطة بسبب قسوة تشارلز على الحيوانات وسوء معاملتهم. في النهاية تلقى كولين حضانة مشتركة لأطفاله هو وزوجته؛ كما أُمر بدفع نفقة الطفل، في ذلك الوقت أبلغ كولين عن رغبته في ترك التمريض، لكن مدفوعات إعالة الطفل أجبرته على الاستمرار. في ديسمبر عام 1993، غادر كولين مستشفى وارن، وحصل على وظيفة جديدة في مركز هانتر الطبي في وقت مبكر من عام 1994، وعلى الرغم من ادعائه أنه لم يقتل أي شخص في أول عامين من عمله في وحدات العناية المركزة والرعاية القلبية، لكنه اعترف لاحقا بقتل خمسة مرضى في سنته الثالثة هناك. حيث استخدم نفس الطريقة التي كان يستخدمها سابقًا في مستشفى وارين: جرعة زائدة من الديجوكسين للمرضى.
آلة قتل لا تتوقف
في عام 1998، كان كولين تشارلز يعمل في مستشفى في إلستون، بنسلفانيا، عندما ارتكب جريمة قتل أخرى بنفس الطريقة ومع ذلك، فإن التحقيق الذي تم في هذه القضية لم يكن حاسما، فاستمرت عاداته القاتلة خلال عام 1999 عندما قتل مريضاً وحاول قتل آخر أثناء عمله في وحدة الحروق في آلنتاون بولاية بنسلفانيا. ليستقيل وينتقل لآخر وحدة طبية في مستشفى آخر، وقد اعتبرت المدة التي شغلها هناك أكثر فتراته فتكًا، حيث بدأ العمل في مركز سومرست الطبي في سبتمبر 2002، فلوحظ من قبل زملائه وهو يستخدم أجهزة الكمبيوتر في المستشفى للوصول إلى سجلات المرضى للأشخاص الذين لا يتحمل مسؤوليات الاعتناء بهم؛ كما أتقن أيضًا النظام المحوسب الذي يستخدمه المستشفى لإدارة الأدوية، وابتكر طرقا عدة لمنع المحققين من تتبع الأدوية التي يستخدمها كثيرًا والجرعات الزائدة المقدمة لمرضاه.
في أغسطس من عام 2003، نبه مركز سومرست الطبي سلطات الولاية إلى وفاة أحد مرضى كولين نتيجة لانخفاض نسبة السكر في الدم، فتم فصل كولين في أكتوبر2003، وتم اعتقاله للاشتباه في ارتكابه جريمة قتل في ديسمبر. في الفترة التي قضاها في مركز سومرست الطبي، كان قد قتل 13 شخصًا على الأقل، وحاول قتل اثنين آخرين، وعندما تحدث إلى السلطات، اعترف بارتكاب جريمة قتل، وادعى أنه فعل ذلك لتجنيب المرضى التعرض للسكتة القلبية أو توقف الجهاز التنفسي؛ كما زعم أنه قدم جرعة زائدة للمرضى “لإنهاء معاناتهم”. على الرغم من هذا الادعاء، لم يكن العديد من ضحاياه مصابين بمرض عضال. نفى كولين في البداية ارتكاب جريمة قتل في مستشفيات أخرى، ولكن حينما أظهر له المحققون السجلات، اعترف بجرائمه. وفي أبريل 2004، أقر تشارلز كولين بارتكاب جرائم قتل متعددة ومحاولة قتل في مركز سومرست الطبي. فواصل الاعتراف بالذنب في ثلاث جرائم قتل إضافية في مايو. وفي 2 مارس 2006، حُكم على كولين بعدة أحكام متتالية مدى الحياة، واعتبر مؤهلًا للإفراج المشروط بعد 397 عامًا.
لقد شكلت قصة القاتل المتسلسل الممرض “كولين تشارلز” فرصة لإعادة النظر في النظام الأمني للمستشفيات وتم إقرار قانون نيوجيرسي الذي يتطلب من المتخصصين في الرعاية الصحية الإبلاغ عن أي عمال يبدو أنهم قد يشكلون تهديدًا للمرضى إلى مجالس الترخيص وشؤون المستهلك. وأصبح يعرف باسم قانون كولين. كما شكل سيناريو للفيلم المرتقب عرضه في عام 2022، الذي يحكي قصة الحياة الواقعية للسفاح الممرض، حيث يلعب إيدي ريدماين دور الممرض سيء السمعة.