يعدّ تيسلا واحداً من أكثر العلماء تأثيراً في التاريخ، حيث استطاع تغيير وجه العالم مرة واحدة وللأبد، باختراعات عديدة بالغة الأهمية كالتيار المتناوب وأمواج الراديو، والكثير من المشاريع الأخرى التي راحت طي النسيان إمّا لنقص التمويل والإيمان بها من قبل الداعمين، أو بسبب الحريق الذي ضرب مختبره في نهايات القرن التاسع عشر. سنتابع في هذا المقال محطات من حياة هذا المخترع الفذّ، والمعاناة الكبيرة التي واجهها خلال مسيرته، فلنبدأ:
البداية الصعبة:
ولد نيكولا تيسلا – العالم الصربي الأمريكي- في كرواتيا عام 1856 التي كانت خاضعة لحكم الإمبراطورية النمساوية المجرية حينها، لأب قسيس ووالدة تدير مزرعة العائلة. حظي نيكولا بطفولة حزينة حيث توفي أخوه في حادث ركوب خيل حينما كان بعمر الـ 7 سنوات، هذه الحادثة أثرت عليه لباقي سنوات حياته حيث أصبح منذ حينها يشاهد رؤىً غير واقعية ناجمة عن مرض نفسي ألمّ به وسيرافقه لآخر عمره. درس تيسلا الرياضيات والفيزياء في جامعة غراتس التقنية في النمسا، ثم درس الفلسفة في جامعة براغ، انتقل بعدها تيسلا عام 1882 إلى باريس حيث عمل كعامل صيانة في محطة لتوليد الطاقة الكهربائية (ذات التيار المستمر) تابعة لشركة أديسون العالمية، قبل أن يهاجر إلى أمريكا بعد هذا التاريخ بعامين.
تسلا وإديسون:
بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة عمل تيسلا في المقر الرئيسي لشركة إديسون في مانهاتن، ولفت نظر المشرفين عليه ونظر رئيس الشركة توماس إديسون ببراعته وذكائه منقطع النظير، إلا أن موقفاً حصل بين الرجلين وتّر العلاقة بينهما، حين طلب إديسون من تيسلا أن يطور تصميماً جديداً لمولدات التيار الكهربائي المستمر مقابل 50 ألف دولار-والذي كان رقما ضخماً جداً حينها يعادل قرابة مليون ونصف دولار حالياً حسب معدلات التضخم- فما كان من تيسلا إلا أن عمل شهوراً على التصميم، وحين أنهاه على أتم وجه رفض إديسون منحه المال قائلاً: “يبدو أنك لم تعتد بعد على طريقتنا في المزاح نحن الأمريكيين”. ترك بعدها تيسلا العمل لدى إديسون بفترة وجيزة.
تيسلا وويستنغهاوس:
كان تيسلا من أنصار فكرة التيار المتناوب غير المنتشر حينها بالمطلق، وحاول البدء بشركة اعتماداً على أفكاره والمبلغ الضئيل الذي بحوزته إلا أن المشروع اتجه مباشرة للفشل، ما دفع تيسلا للعمل في حفر الخنادق مقابل دولارين في اليوم ليؤمن قوت يومه. نجح تيسلا بعد ذلك في تجميع عدد من الأنصار والداعمين لفكرة التيار المتناوب التي يؤمن بها، واستطاع خلال العامين 1886 و1887 الحصول على أكثر من 30 براءة اختراع، كما تمت دعوته لإلقاء محاضرة في المعهد الأمريكي لمهندسي الكهرباء، حيث جذب في تلك المحاضرة انتباه الحضور ومن ضمنهم كان جورج ويستنغهاوس والذي دعم تيسلا مادياً لإنشاء أول محطة تيار متناوب في بوسطن الأمريكية لتشتعل حرب التيارات المستمرة والمتناوبة بين إديسون وتيسلا.
نجح تيسلا لفترة من الزمن مع ويستنغهاوس حيث قاما بإنارة معرض كولومبيا الدولي في شيكاجو عام 1891 بوساطة التيار المتناوب، بالإضافة إلى اتفاقهما مع شركة General Electric على إنشاء أول محطة توليد تيار متناوب تعمل بواسطة تدفق مياه شلالات نياغارا.
شهدت تلك الفترة أيضاً من حياة تيسلا العديد من الاختراعات، حيث اخترع الإشارات الراديوية قصيرة المدى واستعملها للتحكم عن بعد بسفينة صغيرة في بركة مياه في حديقة ماديسون سكوير، سابقاً بذلك ماركوني -الذي سجلت براءة اختراع الأمواج الراديوية باسمه- بأكثر من سنتين، بالإضافة إلى تطويره للمصابيح، والمحولات عالية التواتر، والتي سميت باسمه “موصلات تيسلا”.
نهاية تيسلا:
احترق مخبر تيسلا عام 1895 بشكل كامل في نيويورك، آخذاً معه جهد سنين من التعب والملاحظات، استغرق الأمر خمسة أعوام حتى حصل تيسلا مرة أخرى على التمويل، وهذه المرة من J.P. Morgan، حيث كان مشروع تيسلا الجديد يهدف لإنشاء شبكة تواصل عالمية مقرها في لونغ آيلاند، لكن التمويل لم يكفِ لإتمام المشروع الذي كان يعمل عليه ثم سرعان ما تخلى مموله عنه.
أمضى تيسلا العقود الأخيرة من حياته في فندق نيويورك يعمل على اختراعاته، على الرغم من تراجع قدراته الصحية والعقلية، حيث بقي إلى آخر أيامه يطعم الحمام، و”يتواصل معه” حسب زعمه.
توفي تيسلا في غرفته يوم السابع من يناير عام 1943، في وقت لاحق من ذات العام حكمت المحكمة العليا الأمريكية بسحب برءات اختراع الأمواج الراديوية من ماركوني واعترافها -بشكل متأخر- بحقّ تيسلا في تلك البراءات، وما يزال العالم إلى يومنا هذا يعتمد على الكثير من اختراعات تيسلا في كل جوانب الحياة كالتيار المتناوب الذي كرس تيسلا جزءاً كبيراً من حياته وهو يدعو إلى استخدامه ويعمل على تطوير تقنياته.