لا توجد صناعة في مأمن من واقع الطرد وتسريح العمال، ولا حتى السحرة، فبعد أكثر من عقدين من العمل كساحر رسمي لمدينة “كريستشيرش”، تلقى “إيان براكينبري تشانيل”، البالغ من العمر 88 عامًا، خبرا بفسخ وتوقيف عقده السنوي البالغ 10 آلاف دولار، الأسبوع الماضي. فما القصة؟ ومن هو هذا الساحر؟ وما سبب توقيفه؟ تابع معنا القراءة لتتعرف على كل هذه التفاصيل.
قرار التوقيف
لم تعد الموارد المالية في المدينة النيوزيلاندية “كريستشيرش” راغبة في الاستمرار في دعم “الأعمال السحرية وغيرها من الخدمات الشبيهة بالسحر” التي يقدمها الساحر، ولن يؤدي دافعو الضرائب بعد الآن مقابل رقصاته وحكيه الفلسفي وخدماته الترفيهية والجاذبة للسياح. هكذا قررت الحكومة النيوزلندية وتحديدا مجلس مدينة “كرايستشيرش”، إعفاء الساحر”شانيل” من خدمته الرسمية التي كان يزاولها لأكثر من عقدين من الزمن، وقال السيد شانيل بهذا الصدد معلقا: “إنهم مجموعة من البيروقراطيين الذين ليس لديهم خيال”.
وتجدر الإشارة إلى أن قرار توقيف قد جاء بسبب بعض التعليقات التي أبداها الساحر والتي شملت نكات حول العنف ضد النساء، فقوبلت بإدانة سريعة من طرف نيوزيلندا.
لماذا الساحر؟
قد تتبادر إلى ذهنك بعض الأسئلة من قبيل: ماذا يفعل الساحر الرسمي؟ ما هي خدماته؟ وكيف يمكن للمرء أن يصبح ساحرا مدفوع الأجر؟ لسوء الحظ بالنسبة للسحرة الطموحين، فإنه ليس مسارًا وظيفيًا مربحًا. كان “شانيل” نفسه ساحرًا مجانيًا لمدة 16 عامًا قبل أن تم تعيينه ساحر المدينة الرسمي في عام 1982. ويُعتقد أنه الساحر الوحيد في العالم الذي ظهر في كشوف رواتب حكومية، وقد اشتهر قبل ذلك بكونه عازف شوارع منذ عقود، حيث غالبًا ما كان يجلس في ميدان الكاتدرائية حاملاً طاقمًا خشبيًا ومرتديا بالضبط نوع القبعة المدببة التي يرتديها الساحر “كاندالف” في سلسلة “سيد الخواتم”. وما لا يجب نكرانه أنه كان يجتذب الحشود وهو يخطب في أي شيء وكل شيء، وفي السنوات الأخيرة، ساهم في الرفع من عدد السياح بشكل هائل، وذلك تزامنا مع صدور سلسلة بيتر جاكسون “Lord of the Rings” “سيد الخواتم”، والتي تم تصويرها في نيوزيلندا ابتداء من عام 1999، حيث أقبل المعجبون من كل حدب وصوب لرؤية الساحر “شانيل” الذي كان نسخة مطابقة للساحر طيب القلب “كاندالف” من السلسلة الشهيرة.
والأمر لم يقصر على ذلك فقط، حيث كان لديه أيضا مسؤوليات ومهام أكبر، مثل إلقائه لتعويذات بهدف مساعدة فرق الرجبي (على الرغم من أنه كتب لاحقًا أنه نادم على ذلك وعرض الاستقالة في عام 1984 بعد فوز الفريق الخطأ)، وكذا تم استدعاؤه إلى Waimate عام 1988، إلى الجزيرة الجنوبية بنيوزيلندا، لأداء رقصة المطر للمساعدة في مكافحة الجفاف حيث أمطرت بعد نصف ساعة من انتهائه من طقوسه، وتم استدعاؤه لاحقًا إلى أستراليا للمساعدة في مواجهة الجفاف في المناطق النائية، حيث كان يقفز في دائرة بينما يقرع الطبول ويتم رشه بدلاء من الماء، لينتهي بعد ذلك الجفاف حسب ما زعم في التقارير.
من هو الساحر “شانيل”؟
ولد “إيان براكينبري تشانيل” وتلقى تعليمه في لندن، وانتقل إلى أستراليا في عام 1963 وبدأ التدريس في جامعة نيو ساوث ويلز في سيدني عام 1967. هناك، بدأ في تطوير شخصيته الساحرة، وفي عام 1969 عينه نائب رئيس الجامعة المعالج الرسمي للمدرسة، فانتقل إلى “كرايستشيرش” في عام 1972، حيث تم رفض عرضه بأن يصبح ساحر المدينة في البداية. إلى أن أثبت أنه يحظى بشعبية كبيرة في المدينة، فضلا عن كونه شوكة عالقة في حلق السلطات المحلية، وفي عام 1986، أصر على أنه لا يحتاج إلى ملء استمارة التعداد الوطني لأنه كان قطعة فنية مسجلة وليس إنسانًا، في عام 1982، اعترفت به جمعية مديري معرض الفنون النيوزيلندية بالفعل على أنه عمل فني حي. غير أنه بعد ذلك انتصرت الحكومة في المعركة واختفى من ساحة البلدة، ليقرر الآلاف من النيوزيلانديين التوقيع على عريضة تطالبه بالعودة، مما دفع الحكومة إلى الرضوخ للضغط العام والتخلي عن معركتها بشأن استمارات التعداد، فأطلق عليه رئيس الوزراء “مايك مور” لقب ساحر نيوزيلندا. وفي عام 2009، منحته الملكة إليزابيث الثانية وسام خدمة الملكة.
لكن في السنوات الأخيرة، تسبب لسانه الحاد في وقوعه في عدة مشاكل، خاصة ما يتعلق بالتعليقات حول النساء، حيث قال في عرض تلفزيوني في أبريل: “أنا أحب النساء، وأغفر لهن طوال الوقت، لم أضرب واحدة أبدًا حتى الآن”. قال: “لا تضرب امرأة أبدًا لأن الكدمات سرعان ما ستظهر، وسوف يخبرون الجيران وأصدقائهم”، مضيفًا، “وبعد ذلك تكون في ورطة كبيرة”.
أما في أغسطس، فقد نشر صورة على Facebook للترويج لحملته تحت عنوان “إنقاذ الذكور”، ودعا الناس للمساعدة في “حماية أحدث الأنواع المهددة بالانقراض”، ولم يذكر مسؤولو “كرايستشيرش” ما إذا كانت هذه التعليقات أثرت على قرار عقده، أم لا وإنما اكتفت بتوقيفه واستبعاده، لينتهي مشواره الفني كساحر رسمي لما يزيد عن 20 سنة من الخدمة.