*تحذير! المقال يحتوي على حرق
احتلت الكنيسة منذ فجر التاريخ، مكانة الآمر و الناهي، المشجع و القامع، المشرع و المعاقب، المسير و المخير، فكانت سلطة فوق السلط. لما جاء “كوبرنيك” ليهوي بقيمة الانسان المقدس وقتذاك و ينزع عنه غطاء التعالي و التسامي، و يدحض تصور رجال الدين الخاطئ حول تمركز الشمس في الكون، هزئت منه و كانت له بالمرصاد .عدم كوبرنيك بسبب شطط الكنيسة، أما “دانييل بلينفيو” فأبى إلا ان يعدم الكنيسة ذاتها.
في فيلم “There Will be blood” “ستسيل الدماء” قدم المخرج Thomas Paul Anderson (توماس بول أندرسون) الشخصية الرئيسة “دانييل بلينفيو” التي تقمصها الممثل Daniel day-lewis “دانييل داي لويس” في قالب فريد، فهناك من رأى أن هذه الشخصية شر في حين رآها البعض الآخر أنها خيـر، فاختلفت الآراء باختلاف المقاصد و المآرب.
يبدأ دانييل مشروع استخراج النفط بموارد قليلة ليشق طريقه نحو الثراء تدريجيا، يقرر حط الرحال في بادية زاخرة بالنفط بتوجيه من Eli Sunday (إلاي سانداي) وهو رجل كنيسة، هذا الاخير يطلب المقابل، لتلبية نداء المسيح وإعادة هيكلة الكنيسة. يوافق دانييل على مضض. بعد فترة طويلة من الكد و الجهد و الشقاء، ينتشي دانييل بمذاق الثراء و الغنى، لكن عينا الكنيسة أبت إلا أن تبقا متيقظتين ولم يتقبل رجل الكنيسة “إلاي سانداي” الثراء الفاحش الذي حققه “دانييل”، فقررت الكنيسة معاقبته على مشروعه المربح. في نفس الوقت ، كان دانييل فرحا مسرورا و فخورا بانتصاره، بقدر ما كان حاقدا ماقتا للكنيسة، لعامة الناس، للمتطفلين و المتدخلين و المنافسين…
“أتمعن في الناس ولا أرى فيهم شيئا يستحق الإعجاب، سأعمل و سأجمع المال لكي أبتعد عنهم قدر المستطاع”
“دانييل بلينفيو”
مسار “دانييل” لم يكن خاليا من الآثام و الخطايا كالقتل و التهديد والكره الدفين لكل الناس، و من بين هذا كله، ما أثار حفيظة الكنيسة كان تخليه عن ابنه الوحيد “اتش دابليو”، بعد إصابته بالصمم إزاء حادثة انفجار وابل النفط ، وهذا ما دفع رجل الكنيسة لدعوة دانييل لحضور جلسة تكفير و فصح، لكن دانييل لم يرضخ لطلب الكنيسة إلا من أجل السماح له بالحصول على مساحة أكبر لحفر آبار جديدة.
تحمل دانييل الصفعات و الألقاب الجارحة من طرف رجل الكنيسة في سبيل تحقيق مبتغاه. بعد سنوات كثيرة، يطفو ذاك الحقد الدفين مرة أخرى فيترجمه دانييل بتهشيم جمجمة رجل الكنيسة الذي عاد طالبا مساعدته.
كوبرنيك لم تتح له الفرصة للرد بأي شكل من الأشكال على شطط و طغيان الكنيسة. لكن دانييل تمكن، ليس ثأرا لنظريته العلمية وإنما انتقاما لاستغلال سعيه البرغماتي و جعل رغباته الملحة في الثراء الفاحش خاضعة لرحمة الكنيسة. كما أن مقتل “إلاي سانداي” رجل الكنيسة على يد دانييل كان مسك ختام سلسلة التضحيات و الشقاء البسيكولوجي و الفزيولوجي الذي خاضه دانييل دونما تردد، للنزول عند نزواته و بلوغ مقاصده.