الناجي الوحيد من قنبلتين نوويتين، تعرّف على الرجل الأكثر حظاً في التّاريخ.

أعلنت اليابان صبيحة يوم الرابع عشر من أغسطس استسلامها لقوات الحلفاء، عقب إلقاء الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على اثنتين من مدنها، هما هيروشيما يوم السادس من أغسطس ثم بعدها بثلاثة أيام ناغازاكي في التاسع من الشهر نفسه، محولةً المدينتين إلى أكوام من الرماد و الجثث المتفحمة، وبذلك تم الإعلان رسمياً عن نهاية إحدى أكثر الفترات دموية في تاريخ الجنس البشري.

بطل قصتنا اليوم كان لديه من الحظ -أو ربما من سوء الحظ- ما يجعله يشهد حدوث التفجيرين النووين، وينجو من كليهما ليروي لنا وللعالم هذه الحكاية المذهلة والمؤلمة في الوقت نفسه.

تسوتومو ياماغوتشي في شبابه.

مهندس شاب في رحلة عمل:

توجّه المهندس تسوتومو ياماغوتشي -الذي كان يبلغ من العمر حينها 29 عاماً- بطلب من شركته “ميتسوبيشي” من مدينته ناغازاكي إلى هيروشيما لإجراء مباحثات تتعلق بالعمل، وصل قطاره إلى المحطة التي تبعد 3 كيلومتر عن النقطة التي انفجرت فيها القنبلة، يقول تسوتومو: “كان يوماً صيفياً جميلاً، لم يلبث صوت طائرة واحدة أن خرق الهدوء المحيط، رفعت بصري إلى السماء فإذا بي أرى طائرة الـ B21 و قد نزل منها مظلتان، بعدها بثوانٍ رأيت وميضا قوياً للغاية، أغمضت عينيّ لبرهة، عندما حاولت أن أفتحهما لم أستطع رؤية شيء، كان الأمر أشبه بشاشة السينما قبل ظهور الفيلم، لم أكن أستطيع سماع أي شيء لفترة من الزمن، جسدي تغطى معظمه بالحروق من الوهج الحراري الذي صاحب القنبلة.”

مدينة هيروشيما بعد سقوط القنبلة النووية عليها.

كانت تلك قنبلة هيروشيما، أول قنبلة نووية يتم استعمالها عسكرياً في التاريخ، أدّت القنبلة إلى تدمير 70% من مباني المدينة بشكل كامل، كما تسبّبت بشكل مباشر بوفاة 80 ألف ضحية في لحظات من أصل 350 ألف نسمة كانوا يسكنون المدينة، تشير الإحصاءات إلى أن الوفيات قد تضاعفت خلال السنوات الخمس التالية إلى 200 ألف نتيجة الآثار النووية السامّة للقنبلة.

“كنت أمشي في الطريق فأرى جثث الأطفال والنساء والرجال تطفو في النهر كأنّها قطع من الخشب، كان عليّ العبور فيما بينها لأنّ الجسر كان قد تحطّم، الجثث كان الجلد قد تقشّر عنها، العيون كانت مطموسة في  الوجوه، والآذان ذائبة ملتحمة بالرأس، كان المنظر مرعباً.” يقول تسوتومو.

العودة إلى الديار:

لم يلبث تسوتومو أن ضمّد جراحه، حتى أقفل عائداً إلى موطنه ناغازاكي، حيث كانت زوجته وولده بانتظاره، أسرع إلى مقرّ شركة ميتسوبيشي لتقديم تقريرٍ تفصيليّ بما حصل للمدينة في رحلته، إلّا أن رؤساءه لم يصدقوه واتهموه بالجنون، “مدينة كاملة تباد بقنبلة واحدة! كيف لهذا الكلام أن يصدر من مهندس عاقل مثلك!”، فالأخبار في ذلك الزمن لم تكن تصل بالسرعة التي تصل فيها اليوم.

القنبلة الثانية:

مدينة ناغازاكي بعد سقوط القنبلة النووية عليها.

ضربت القنبلة الثانية ناغازاكي صبيحة التاسع من أغسطس  مسبّبةً الوفاة الفورية لأكثر من 40 ألفا من أصل 250 كانوا يسكنون المدينة، و حصيلة 160 ألفاً بعد 5 سنوات متأثرين بالسمية النووية.

عندما حصل الانفجار الثاني كان تسوتومو في مقر الشركة و للصدفة البحتة كان بعيداً عن بؤرة الانفجار بحوالي 3 كيلومتر أيضاً.”عندما رأيت شكل الفطر الدخاني مرةً أخرى ظننت أنّها لعنة تلاحقني، كانت زوجتي وابني ذو الستة أشهر أول ما فكّرت فيه”، لحسن الحظ فامرأته كانت خارجة لشراء مراهم لحروقه من صيدلية بعيدة عن منزله، الذي كان قريبا من موقع الانفجار، فنجت هي الأخرى من القنبلة.

توفّيت زوجته لاحقاً عن عمر يناهز 88 عاماّ متأثرة بسرطان الكلية والكبد، بعد أن عاشت حياة مليئة بالأمراض المزمنة نتيجة السمية النووية، بينما توفّي تسوتومو ياماغوتشي عام 2010 عن عمر يناهز 94 عاماً.

تسوتومو ياماغاوتشي.

Exit mobile version