الناظر والمتأمل في وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في حياته عامة وقبل وفاته خاصة، يرى فيها حرصه الشديد عليها، ورحمته وشفقته بها، وقد حملت الأيام الأخيرة من حياته صلى الله عليه وسلم وقبل وفاته الكثير من هذه الوصايا، ومنها :
إحسان الظن بالله :
قبيل موت النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام أكد على إحسان الظن بالله وأوصى به، فعن جابر رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل) رواه مسلم. ولذلك يُستحب لمن حضر أحداً في مرضه قبيل موته أن يكثر له من آيات وأحاديث الرجاء في الله وسعة رحمته.
الصلاة، الصلاة :
الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، وكانت قُرَّة عين النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، ومع ما كان به صلى الله عليه وسلم من ألم ووجع من شدة مرضه قبيل وفاته، فقد أوصى بالصلاة كثيراً، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كانت عامَّة وصيَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة الصلاة، وما ملكتْ أيمانُكم، حتى جعل يُغرغِر بها في صدره وما يُفيض بها لسانه) رواه أحمد.
أخراج المشركين من جزيرة العرب، وإكرام الوفود :
قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأيام قليلة أراد أن يكتب للصحابة كتاباً مفصلاً ليجتمعوا عليه ولا يتنازعوا، فلما اختلفوا عنده، تراجع عن كتابة ذلك الكتاب وأوصاهم بأمور ثلاثة: إخراج المشركين من جزيرة العرب، وإكرام الوفود، ونسي راوي الحديث واحدة منها، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (لما حُضِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلوا بعده.
التحذير من بناء المساجد على القبور :
عن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالا: (لما نُزِلَ (مرض الموت) برسول الله صلى الله عليه وسلم طفِق (جعل) يطرح خميصة (ثوب) له على وجهه، فإذا اغتم (احتبس نفسه) كشفها عن وجهه وهو كذلك يقول:لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر مثل ما صنعوا) رواه البخاري. وعن جندب رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد, ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم. وعن عائشة رضي الله عنها أنهم تذاكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه، فذكرت أمُّ سلمة وأمُّ حبيبة كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوَّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) رواه البخاري.
وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالأنصار :
بلغ حب النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار مبْلغاً أن تمنى أن كان واحداً منهم، حتى أن البخاري جعل باباً في صحيحه بعنوان: “باب حب الأنصار من الإيمان”. وقبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأيام أوصى أصحابه وأمته بالأنصار، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (.. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر، ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي (بطانتي وخاصتي)، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم) رواه البخاري.